أحمد - 10 فبراير, 2024

تعقيبي على الأنمي :
تربية الطفل وتنشئته ليست أمرا السهل، و أولياء الأمور يعرفون مدى إرهاق المهام اليومية، والتضحيات التي يجب تقديمها سواء فيما يتعلق بالعمل أو الحياة الاجتماعية، وزخم الحياة المستمر الذي قد يشوبه القلق والمخاوف وحقيقة الامر هي أن الاعتناء بالأطفال هو أحد أكبر أسباب التوتر والشيب (أو تساقط الشعر) بين البالغين ، و بالنظر إلى أن غالبية الناس في العالم هم آباء، فإن من الغريب أن التعاطي مع مثل هذا المواضيع لا يزال نادرًا في الأنمي.

عندما نتحدث عن الانمي اول ما يخطر بالبال هو الترفيه والمتعة والتسلية و الكم الهائل من الانفجارات و الايحاءات الغيرأخلاقية والأبطال ذوي العضلات عديمي العقل والحبكة التي لا معنى لها ولاعبرة، وعلم النفس الزائف والدخول في مواضيع خيالية منافية للفطرة ولا تمت للواقع بأي صلة إلخ.. فمن هذا الذي سيشاهد أنمي عن محن التعاطي مع تربية الأطفال وفهم نفسيتهم لإصلاح التعامل معهم ولحسن تنشئتهم. الأنمي كجنس عمل هو وسيلة يمكن فيها سرد أي قصة نافعة و معبرة هذا ما يجعله وسيلة إصلاح مبتكرة شيقة وغير تقليدية، لكن هذه المواضيع الهادفة والمهمة يتم تجاهلها بإستمرارا إما عن قصد أو لأن المشاهد لا ينجذب إليها.

القصة:
تأخذ الحبكة نهجًا أكثر نضجًا في التعامل مع مسألة الأبوة والأمومة مما قد يتوقعه المرء، وعلى الرغم من أن بعض المشكلات التي يواجهها سالم خاصة بالمجتمع الياباني في بعض التفاصيل، إلا أن الموضوع العام سيكون له صدى لدى أي شخص قام بتربية الأطفال وهذا أيضًا هو السبب وراء عدم إستمتاع بعض المشاهدين بهذا النوع من الأعمال، كما أن نفس السبب هو ما جعله عمل فريد من نوعه وهذا ما شدني اليه.

الشخصيات:
الشخصية الأكثر إثارة للاهتمام هي سالم و يرجع جزء من السبب في ذلك إلى أن معظم القصة تُروى من وجهة نظره فقد ظهر منذ البداية كفرد له أفكاره وعاداته وقيمه الخاصة، وبدلاً من محاولة تطويره لوحده تركز القصة على تطويره من خلال علاقته مع ندى، وما يعانيه من مشاكل وهموم وتضحيات من أجل أن يكون والدًا جيدًا.
ندى كأي طفلة في مثل عمرها: فضولية، وناضجة رغم صغر سنها ومنعزلة إلى حد ما حول الأشخاص الذين لا تعرفهم جيدًا. كما هو الحال مع سالم وهي فالحقيقة لا تتطور كشخصية، ولكن يلاحظ المشاهد تأقلمها ببطء مع حياتها الجديدة وخروجها من قوقعتها. وهذا أهم شئ في القصة لأنها رسالة واضحة حول مدى إستجابة الأطفال مع الوقت وكيف أنهم قادرون على التأقلم بمجرد معرفتهم أنهم يحظون بالدعم الضروري والاعتناء والحنان.

الرسوم والتحريك:
بالإضافة إلى القصة، يحاول تحريك الرسوم أن يظل صادقًا قدر الإمكان في التعبير بشكل مذهل فقد تم تصوير الشخصيات بشكل منمق، و انتهج نهج مبسط وسلس لرسم العواطف فالتصميم ركز على إظهار كل شخص كفرد ليس فقط من ناحية الوجه، ولكن أيضًا في بنيته ووضعيته وحتى حركاته. الأسلوب والألوان المستخدمة تضفي لمسة لطيفة تشبه إلى حد ما الألوان المائية.

مؤدوا الصوات:
كالعادة، أبدع مؤدوا الأصوات وبما أن الحوار بسيط وطبيعي فهذا أعطاهم مساحة أكبر للتعبير عن أنفسهم لأن التمثيل الجيد يمكن أن يعطي رونقا لأي نوع من القصص ويمنحها شعورًا بشيء جديد ومختلف، ولكن في هذه الحالة فهي قصة يمكن أن تكون واقعية و حقيقية فيسهم هذا بالتُأثير على المتفرج وهذا ما يعطي أهمية للموضوع وجدية في فهم الفائدة و استخلاص الدروس والعبر.

بصفة عامة، قطر الندى قصة بسيطة ومباشرة وساحرة حول ما يعنيه أن تكون والدًا، فبينما يتم تقديم القصة والشخصيات في شكل مثالي، فإن هذا لا ينتقص حقًا من استمتاع المرء. وغني عن القول أن أي شخص لديه خبرة في تربية الأطفال سيكون قادرًا على التواصل والتفاعل بسهولة أكبر مع القضايا المطروحة، كما أن الحبكة بسيطة بما يكفي للسماح لأي شخص بالاستمتاع بها و مما لا شك فيه أن هذا الأنمي من البرامج النادرة التي لا يستخدم كلمة “ناضج” أو ”للكبارفقط” كعلامة للعنف أو الدماء أو المحتوى اللاأخلاقي وما إلى ذلك، وهذا يجعله فريدًا كما أن التركيز على الواقعية وإن كان في شكل مثالي، عامل مساعد لايصال الفائدة وهذا ما خدم القصة وهذا يأتي في مواجهة موجة الخيال الخالص والهروب من الواقع.

خلاصة القول، مهما كان رأيك أو ذوقك فان قطر الندى يستهدف جمهورًا أكثر نضجًا من المعتاد ويتناول قضايا حساسة ومفصلية في المجتمع وهو ما يميزه عن غيره.